آخر تحديث :الخميس-18 ديسمبر 2025-07:17ص

محليات

حضرموت تختبر تحالفات الخليج
قناة أمريكية :هل دخلت السعودية والإمارات مرحلة صراع مباشر في اليمن؟

قناة أمريكية :هل دخلت السعودية والإمارات مرحلة صراع مباشر في اليمن؟

الخميس - 18 ديسمبر 2025 - 07:13 ص بتوقيت عدن

- مراقبون برس -قناة الحرة الامريكية-عزت وجدي

أعادت التطورات الأمنية والسياسية المتسارعة في محافظة حضرموت خلال الأسابيع الأخيرة تسليط الضوء على طبيعة العلاقة بين السعودية والإمارات في الملف اليمني، وفتحت الباب أمام تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التحركات تعكس تباينات ظرفية في إدارة التفاصيل الميدانية، أم مؤشرات أعمق على تحوّل في مسار التحالف الذي قادته الرياض منذ عام 2015.

وبحدودهما مع السعودية في حضرموت، ومع سلطنة عُمان في المهرة، باتت المحافظتان، بثقلهما الجغرافي والأمني، تمثلان ساحة اختبار حساسة لمعادلات النفوذ بين القوى المناهضة لجماعة الحوثي. وهو ما يعيد طرح السؤال المحوري مجددًا: هل دخلت السعودية والإمارات مرحلة صراع مباشر في اليمن، أم أن ما يجري لا يتعدى كونه إعادة ترتيب للأدوار في مرحلة ما بعد الحرب؟

هل دخلت السعودية والإمارات مرحلة الصدام؟
في هذا السياق، اتسمت العلاقة السعودية–الإماراتية في الملف اليمني، منذ عام 2015، بدرجة عالية من التنسيق السياسي والعسكري ضمن التحالف الذي قادته الرياض دعمًا للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ومواجهةً لجماعة الحوثي. غير أن إطالة أمد الصراع وتراكم تطوراته الميدانية والسياسية أفرزا تباينات متزايدة في مقاربات إدارة الملف، برزت بشكل أوضح منذ عام 2019، مع إعادة انتشار القوات الإماراتية وتحول استراتيجيتها نحو دعم قوى محلية فاعلة في جنوب اليمن.

ولا يمكن فصل هذه التباينات عن التحولات الأوسع التي شهدتها شبه الجزيرة العربية منذ عام 2022. فوفق قراءات صادرة عن مركز الخليج للأبحاث، دخلت المنطقة مرحلة إعادة تموضع استراتيجي فرضتها كلفة الصراعات الممتدة، وتصاعد الضغوط الاقتصادية، وتبدل أولويات الأمن القومي. وقد دفع ذلك دولًا محورية، وفي مقدمتها السعودية، إلى تبنّي مقاربات تقوم على خفض التصعيد وتحييد الجبهات المفتوحة، ضمن رؤية أوسع لإعادة ترتيب الأولويات التنموية والأمنية، ولا سيما في ما يتعلق بالعلاقة مع جماعة الحوثي.

وفي هذا السياق، لا يُنظر إلى تجنب الحروب طويلة الأمد بوصفه خيارا سياسيا فحسب، بل باعتباره مصلحة عملية تمليها اعتبارات الاستقرار الداخلي والإقليمي.

ومنذ ذلك الحين، تصاعدت القراءات التي تتناول العلاقة بين الرياض وأبوظبي من زاوية التنافس على النفوذ، لاسيما في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية مثل عدن، شبوة، حضرموت، وسقطرى، بالتوازي مع إعادة تشكيل المشهد السياسي والأمني في الجنوب.

وقد أفضى هذا المسار إلى طرح تساؤلات متزايدة حول طبيعة هذا التباين، وما إذا كان يندرج ضمن اختلاف في توزيع الأدوار داخل إطار تحالفي واحد، أم يعكس تباينا أعمق في المصالح والرؤى الاستراتيجية حيال مستقبل اليمن.

حقيقة الخلاف السعودي الإماراتي في اليمن
أعادت التطورات الأمنية والسياسية الأخيرة في مناطق جنوب وشرق اليمن، ولاسيما في حضرموت والمهرة، فتح النقاش حول طبيعة التحولات الجارية داخل معسكر القوى المناهضة لجماعة الحوثي، وانعكاساتها على توازنات المشهد اليمني.

ورغم أن هذه التطورات لا تبدو منفصلة عن المسار العام للصراع، فإنها جاءت نتيجة تفاعل مركب بين اعتبارات داخلية تتصل بإعادة توزيع النفوذ جنوبا، وسياقات إقليمية أوسع تضبط حدود التصعيد.

وفي هذا السياق، تشير دراسات صادرة عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إلى أن الإمارات أعادت خلال السنوات الأخيرة معايرة تموضعها في اليمن باتجاه نموذج نفوذ يقوم على الشراكات المحلية وإدارة نقاط الارتكاز الاستراتيجية، ولا سيما السواحل والموانئ وخطوط الملاحة. ووفق هذه القراءة، لا يعكس هذا التحول انسحابا بقدر ما يعكس انتقالا من التدخل العسكري المباشر إلى نفوذ شبكي طويل الأمد، يركز على أمن الممرات البحرية وحماية سلاسل الإمداد، وهو ما يخلق تباينا في الأدوات والأولويات مع المقاربة السعودية، حتى وإن بقي الطرفان ضمن سقف سياسي معلن واحد.

وتزداد حساسية هذه التحولات في ظل السياق الدولي الأوسع المرتبط بأمن الملاحة في البحر الأحمر. فقد أدى تصاعد الهجمات الحوثية على حركة الشحن الدولي منذ أواخر عام 2023 إلى إعادة إدراج اليمن ضمن أولويات الأمن البحري العالمي، ودفع الولايات المتحدة وبريطانيا إلى تدخلات عسكرية مباشرة. هذا التطور جعل استقرار المناطق الساحلية والشرقية لليمن جزءا من معادلة دولية تتجاوز التوازنات الداخلية، وفرض ضغوطا إضافية لمنع انزلاق معسكر القوى المناهضة للحوثيين إلى صراعات جانبية قد تعقّد جهود الاحتواء.

وباتت حضرموت تمثل ساحة اختبار دقيقة لإعادة تشكيل النفوذ داخل الجنوب، حيث أن التوترات حولها تعكس تباينات داخل المعسكر المناهض للحوثيين أكثر مما تعكس صداما مباشرا بين داعميه الإقليميين.

غير أن الكاتب والمحلل السياسي منيف عماش الحربي يرى أن هذا الخطاب يبالغ في توصيف طبيعة العلاقة بين الرياض وأبوظبي، مؤكدا أن البلدين ما زالا يتقاطعان عند جوهر المقاربة السياسية للأزمة اليمنية، القائمة على اعتبار الحل السياسي الخيار الوحيد القابل للاستدامة. ويشير إلى أن تأسيس التحالف العربي عام 2015 جاء استجابة لطلب الحكومة الشرعية بهدف دفع جماعة الحوثي إلى طاولة التفاوض، لا لإنتاج صراعات داخل المعسكر الداعم للشرعية.

ويؤكد الحربي استمرار التوافق السعودي الإماراتي حول مرجعيات التسوية السياسية، المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، إلى جانب دعم الإمارات للمبادرة السعودية للسلام عام 2021، وتوافق البلدين على مساندة خطة السلام التي طرحها المبعوث الأممي. كما يندرج وصول وفد سعودي إماراتي مشترك إلى عدن ضمن جهود مشتركة لترتيب الأوضاع الأمنية ومنع التصعيد، بما يخدم استقرار حضرموت والمهرة.

ويضيف أنه في موازاة ذلك تواصل الرياض، بالتنسيق مع مسقط، لعب دور محوري في دفع مسار الوساطة بين الحوثيين والحكومة الشرعية، وهو مسار تعزز بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي خلال الحوار اليمني الذي عقد تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي. وبناء على ذلك، يمكن القول إن المشهد الراهن يعكس تباينات في إدارة التفاصيل أكثر مما يعكس خلافا جوهريا بين الرياض وأبوظبي، في ظل استمرار التزام الطرفين بسقف الحل السياسي ودعم الشرعية.

المجلس الانتقالي الجنوبي
يمثل المجلس الانتقالي الجنوبي أحد أبرز الفاعلين الذين أعادوا تشكيل معادلات القوة في جنوب اليمن منذ عام 2017، بوصفه كيانا سياسيا نشأ في سياق تراكم احتجاجات جنوبية ممتدة منذ ما بعد وحدة 1990، وتبلورت سياسيا مع الحراك الجنوبي منذ عام 2007. وقد جاء تأسيس المجلس برئاسة عيدروس قاسم الزبيدي في لحظة اتسمت بفراغات سياسية وأمنية واسعة في الجنوب، وتراجع فعلي لقدرة الحكومة المعترف بها دوليًا على بسط نفوذها.

وفي هذا السياق، تشير تحليلات إلى أن صعود المجلس لا يمكن فصله عن حالة الضعف البنيوي التي أصابت مؤسسات الشرعية نفسها، حيث أتاح هذا الفراغ لقوى محلية منظمة أن تملأ المساحة المتروكة، ما جعل إشكالية السلطة في الجنوب انعكاسا لأزمة نظام حكم أكثر من كونها نتيجة تحركات فاعل واحد.

وشهد مسار المجلس تحولا نوعيا مع انخراطه لاحقا في مؤسسات السلطة عبر مشاركته في الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي. غير أن هذا الانتقال من موقع الاحتجاج إلى موقع الشراكة أفرز إشكالية بنيوية تتعلق بتناقض الأدوار بين كونه فصيلًا يحمل مشروعًا سياسيًا خاصًا، وبين كونه جزءًا من منظومة شرعية يفترض بها الالتزام بوحدة القرار السياسي والعسكري.

وقد تجلت هذه الإشكالية بوضوح في التحركات العسكرية الأخيرة للمجلس، ولا سيما في حضرموت، حيث وسع نطاق نشاطه خارج معاقل نفوذه التقليدية. وتكتسب هذه المحافظة حساسية إضافية في الحسابات السعودية، نظرًا لارتباطها المباشر بأمن الحدود الشرقية للمملكة. فبحسب تقديرات بحثية إقليمية، لا تقتصر مخاوف الرياض على التوازنات السياسية، بل تمتد إلى احتمالات الفراغ الأمني ومسارات التهريب، وهو ما يفسر حرصها على التعامل بحذر مع أي تحولات ميدانية مفاجئة في هذه المناطق.

ويرى الحربي أن ما جرى في حضرموت يعكس ممارسة للعبث السياسي، معتبرًا أن المجلس لم يرتكب خطأً عابرا بقدر ما ارتكب خطيئة سياسية، إذ إن الجنوب لا يمكن اختزاله في فاعل واحد، كما أن القضية الجنوبية ما تزال مفتوحة على مسارات الحوار. ويؤكد أن الممارسات الأحادية لا تخدم القضية الجنوبية، بل تضعفها، مشيرًا إلى أن الموقفين السعودي والإماراتي جاءا متوافقين في رفض فرض الأمر الواقع بالقوة، والتأكيد على أن حل القضية الجنوبية لا يمكن أن يتم إلا عبر التفاوض السياسي ضمن تسوية يمنية شاملة.

الملف اليمني: تعقيد بلا حسم
تحولت الأزمة اليمنية خلال السنوات الأخيرة من صراع داخلي على السلطة إلى معضلة إقليمية معقدة، مما أفضى إلى حالة تعثر شبه كامل في مسار التسوية السياسية. فقد تعطلت خارطة الطريق، وتآكلت الثقة بين الأطراف، وتراجع الزخم الدولي، في ظل غياب بيئة سياسية قادرة على إعادة إطلاق عملية تفاوضية ذات مصداقية.

ويرى عضو مجلس الشورى اليمني لطفي أحمد النعمان أن جوهر الأزمة لا ينفصل عن الانقسام الداخلي، مشيرًا إلى أن تشتت القوى المحلية واستدعاء التدخلات الإقليمية أسهما في تعقيد المشهد. وفي الاتجاه ذاته، تذهب تحليلات دائرة أبحاث الكونغرس الأميركي (CRS) إلى أن السياسة الدولية باتت تتعامل مع اليمن بوصفه ملف احتواء للمخاطر المرتبطة بالحوثيين وأمن الملاحة، أكثر من كونه ساحة لحسم سياسي شامل.

ويخلص الحربي إلى أن التجربة اليمنية أثبتت محدودية الخيار العسكري، وأن الخروج من الأزمة يمر عبر مسار تفاوضي يعيد توحيد الصف اليمني، ويضع القضايا الجزئية، وفي مقدمتها القضية الجنوبية، ضمن إطار وطني جامع، قادر على استيعاب تعقيدات ما بعد الحرب.

ماذا بعد؟
إن استمرار حالة التعقيد وغياب مسار حسم سياسي شامل لم يقتصر تأثيره على التوازنات الإقليمية والمحلية، بل فاقم من التكلفة البشرية والاقتصادية للأزمة. فاليمن يواجه، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية عالميًا، حيث أدى الانقسام في مؤسسات الدولة وتوقف صادرات الطاقة، إلى انهيار شبه كامل في الخدمات الأساسية وتدهور خطير في القوة الشرائية، مما يضع القضية اليمنية أمام ضغط إضافي يتمثل في ضرورة إيجاد تسوية تضمن استئناف عجلة الحياة الاقتصادية وإغاثة ملايين المتضررين. وهذا ما يفرض على الأطراف كافة تجاوز التباينات التفصيلية والانخراط بجدية أكبر في المفاوضات ضمن سقف الحل السياسي المعلن.