يتعامل بعض السعوديين مع ما يتردد في تركيا بشأن مقتل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي في قنصلية بلادهم في اسطنبول باعتباره خبرا كاذبا.
متظاهر يرفع صورة لخاشقجي أمام القنصلية السعودية في اسطنبول يوم 5 أكتوبر تشرين الأول 2018. تصوير. عثمان أورسال - رويترز
لكن البعض الآخر يعتبر ما تردد عن قتل خاشقجي، وهو منتقد مفوه لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رسالة تهديد لمعارضي الحكومة السعودية وإشارة على أن الإصلاحات التي يعد بها ولي العهد لن تسمح على الأرجح بحرية حقيقية للتعبير.
ودخل خاشقجي، وهو كاتب رأي مشهور في الشرق الأوسط، القنصلية السعودية في اسطنبول في الثاني من أكتوبر تشرين الأول للحصول على وثائق مطلوبة للزواج. وقال مسؤولون سعوديون إنه غادر بعد فترة وجيزة من دخوله في حين قال مسؤولون أتراك وخطيبته التي كانت تنتظره بالخارج إنه لم يخرج أبدا من القنصلية منذ دخلها.
وقالت مصادر تركية لرويترز إن التقييم المبدئي للشرطة هو أن خاشقجي قتل عمدا داخل القنصلية. وتنفي الرياض ذلك وتصفه بأنه زعم بلا أساس وتقول إن خاشقجي غادر القنصلية بعد وصوله إليها بفترة وجيزة. ولم يقدم الأتراك ولا السعوديون أدلة تدعم تأكيداتهم.
وبالنسبة لبعض السعوديين فإن مزاعم القتل هي قصة دبرها أعداء إقليميون بهدف تشويه سمعة المملكة.
وقال عزيز عبد الله وهو طالب يدرس الحقوق في السعودية لرويترز ”لا يمكنني التحدث عن تلك الأمور.. لكني واثق من أن الاتهامات بحق قيادة بلادي خاطئة. لدينا أعداء.. كما تعلمون“.
أما بالنسبة لآخرين فالأمر إشارة على أن السعودية قد تكون متجهة نحو مسار خاطئ.
والقليل فحسب من السعوديين الذين أجرت معهم رويترز مقابلات كانوا على استعداد لانتقاد الحكومة علنا. لكن الكثيرين ممن طلبوا عدم ذكر أسمائهم قالوا إن المزاعم أثارت تساؤلات عن تعهدات ولي العهد بتحقيق انفتاح في المملكة المحافظة.
وقال مواطن سعودي مقيم في جدة ”الجميع يشعرون بالفزع. الأمر أشبه ما يكون بوجود وسائل على الجدران تتنصت على كل شيء. لا أعتقد أن حرية التعبير تندرج ضمن خطط الإصلاح على الإطلاق.. على العكس تماما“.
وتابع قائلا ”لكن من ناحية أخرى لديك دور عرض سينمائي وترفيه. الأمر مثل اتفاق ضمني غير معلن. لا حرية.. لكنك ستحصل على التسلية. دعونا لا نخلط بين ’التسلية‘ والحرية رجاء“.
ووصفت سيدة في منتصف الثلاثينات من عمرها القضية بأنها ”مثل متابعة فيلم“.
وقالت ”الحكومة تعتقد أن بإمكانها الإفلات بأفعال مثل تلك.. سواء كان قتل أم اختطف... هناك دائما هذا الشعور بأن علينا توخي الحذر والتحسب لما نقول. لسنا في مأمن بالكامل“.
ولم يرد مسؤولون سعوديون على طلبات للتعليق على هذه الآراء.
لكنهم يقولون باستمرار إنهم ملتزمون بنهج التحديث الذي رسم في عهد الأمير محمد بهدف توفير فرص عمل للشباب وزيادة جاذبية البلاد كمكان للعيش لمواطنيها وللمستثمرين الأجانب.
واتهمت صحيفة سبق الإلكترونية، وهي أكبر صحيفة سعودية على الإنترنت، وسائل إعلام دولية من بينها رويترز باستغلال اختفاء خاشقجي لتقويض مساعي الإصلاح في المملكة.
وقالت سبق ”استغلت حادثة اختفاء مواطن سعودي لمهاجمة الرياض، وانتقاد قادتها، ومحاولة قلب الرأي العام الدولي، لتشويه خطواتها الجريئة في الإصلاحات الداخلية، وإعاقة الواقع الجديد المشرق للمنطقة“.
* ”أخبار كاذبة“
حظي ولي العهد الذي يدير الشؤون اليومية للبلاد بإعجاب قوى غربية على مدى العام المنصرم لتعهده بتحديث المملكة.
ونفذ بالفعل سلسلة من الإصلاحات المهمة بما شمل إنهاء الحظر على قيادة النساء للسيارات وفتح دور عرض سينمائي في المملكة.
لكن تلك الخطوات صاحبتها حملة على المعارضة وحملة تطهير في أوساط كبار الأمراء ورجال الأعمال باتهامات فساد والمشاركة في حرب مكلفة في اليمن. كما وضع ولي العهد كل الكيانات الأمنية تحت سيطرته المركزية.
وفي الأسبوع الذي تلى مزاعم قتل خاشقجي، اتهمت الصحف السعودية، التي تخضع لرقابة وثيقة، قطر وأعداء آخرين للمملكة بتدبير الأزمة وقالت إن الهدف من ذلك هو تشويه سمعة السعودية.
ورفضت صحيفة عكاظ تقارير مقتل خاشقجي ووصفتها بأنها ”مسرحية“ قطرية وهي تعبيرات ظهرت أيضا في تقرير لقناة سكاي نيوز عربية ومقرها أبوظبي. واتهم كاتب رأي في عكاظ خاشقجي بالسعي وراء ما وصفه بأهداف إرهابية مثل تحريض الرأي العام وزعزعة استقرار البلاد على حد قوله.
وقالت فاطمة (29 عاما) وهي بائعة في أحد مراكز التسوق الكبرى في الرياض ”عندما سمعنا للمرة الأولى بالأخبار (عن اختفاء خاشقجي) اعتقدنا أن الأمر قد يكون صحيحا. السلطات تريد النيل منه بسبب انتقاده لقيادتنا“.
ثم تابعت قائلة ”لكن عندما قالت وسائل إعلام قطرية إنهم (السعوديين) قتلوه.. نعتقد الآن أن الأمر بالتأكيد أخبار كاذبة.. إنها مجموعة من الأكاذيب.. إنها لعبة من تركيا وقطر الداعمتين لإيران“.
يعتقد المهندس أبو ناصر (35 عاما) أن السعودية ستتغير للأفضل على الرغم من أن قضية خاشقجي قد أثارت انتقادات دولية حادة لولي العهد حتى من الولايات المتحدة أهم حلفائه.
وقال ”نثق في الرؤية (الإصلاحات) وندعم قيادتنا... سيكبر أبنائي في بلد مختلف تماما عن الذي نشأت فيه. هذا كل ما يعنيني“.
إذا أراد ولي العهد محمد بن سلمان النجاح فهو يحتاج إلى مليارات الدولارات من الاستثمارات الأجنبية وثقة المصارف والشركات المحلية والدولية.
ويمكن لقضية خاشقجي أن تضر بهذه الثقة.
وقال مصرفي سعودي ”من المخيف أكثر فأكثر أن تعبر عن رأيك.. حتى إن ناقشت الجدوى الأساسية لخطة.. لا يمكنك أن تثق بأنك ستكون في مأمن“.
وبدأ بعض الشبان في التساؤل عن المستقبل الذي وعدهم به ولي العهد. والشبان شريحة سكانية مهمة للأمير محمد بن سلمان مع سعيه لتنفيذ تغييرات حساسة في دولة عادة ما يحكمها توافق الآراء بين كبار الأمراء.
وقالت سارة وهي طالبة سعودية تدرس في الخارج ”بدأت أتساءل.. هل أخطأنا تقدير الحلم؟ هل سنضطر للتضحية بحرية التعبير مقابل التنمية الاقتصادية وبعض الحقوق الأساسية؟“