آخر تحديث :الأحد-12 أكتوبر 2025-01:23م

اغتيال افتهان المشهري نموذج للفوضى في الدولة!

الإثنين - 22 سبتمبر 2025 - الساعة 12:29 ص

عبدالله الشرفي
بقلم: عبدالله الشرفي
- ارشيف الكاتب


لم يكن أحد يتوقع أن تصبح النظافة جريمة يعاقب صاحبها بالقتل، لكن ذلك ما حدث مع الشهيدة افتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين في محافظة تعز، التي اغتيلت بدم بارد وهي تؤدي واجبها في خدمة مدينتها.

هذه الجريمة لم تستهدف إنسانة فحسب، بل استهدفت رمزًا لمعنى الدولة وسط فوضى السلاح والولاءات المتصارعة. فتعز، التي لطالما حملت لقب "المدينة الحالمة"، وغدت مدرسة للسياسيين والمثقفين والفنانين ورجال الدولة، تعيش اليوم واقعًا مختلفًا؛ واقعًا تُدار فيه عبر جماعات مسلحة وفصائل حزبية ومناطقية، كل منها يدّعي أحقيته في إدارة الملف الأمني. ومثلها أيضًا بعض المحافظات المحررة التي تعاني من غياب الدولة أو عجزها في ظل المحاصصة والتقسيم داخل مجلس القيادة الرئاسي.

صحيح أن جريمة اغتيال المشهري أثارت موجة تنديد واسعة من السلطات العليا، وتفاعلاً كبيرًا من السياسيين والإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني، لكن ذلك لا يرقى إلى مستوى الجريمة. فالتنديد وحده لا يكفي، ولا يعيد هيبة الدولة ولا يردع القتلة. المطلوب اليوم هو إعادة النظر في الملف الأمني برمته، وتمكين أبناء تعز المؤهلين لإدارته بمهنية، بعيدًا عن الصراع الحزبي والمناطقي. وهذا لا ينطبق على تعز وحدها، بل على جميع المحافظات المحررة.

إننا نقف مع المقاومة الشعبية والوطنية في مواجهتها للمليشيات الحوثية المدعومة من إيران، لكن هذه المواجهة لن تكون ذات قيمة ما لم تُبنَ مؤسسات أمنية قوية في الداخل تحمي المواطن وتفرض النظام. فما جدوى الانتصار على عدو خارجي، بينما تنهش الفوضى جسد المدينة من الداخل؟

إن اغتيال افتهان المشهري يجب أن يُقرأ باعتباره جرس إنذار أخير: إمّا أن نستعيد معنى الدولة وهيبتها، أو نستسلم لواقع تتحول فيه أبسط قيم المدنية –كالنظافة– إلى جريمة تستحق العقاب بالرصاص.

يبقى الحلم أن تُنظَّف تعز واليمن كله من أوساخ التخلف: من الحوثي كمشروع كهنوتي، ومن المحاصصة البغيضة، ومن المناطقية الضيقة التي شلت مؤسسات الدولة. عندها فقط يمكن أن نزهو بتعز الحالمة، ونقول بفخر: من هنا مرّت افتهان المشهري، فتركت مدينة أنقى ووطنًا أبهى.

من هي افتهان المشهري؟
افتهان المشهري واحدة من أبرز القيادات النسوية الإدارية في محافظة تعز. شغلت منصب مديرة صندوق النظافة والتحسين، وعُرفت بكفاءتها العالية ونزاهتها في أداء عملها. عملت بإخلاص لإبقاء شوارع تعز نظيفة ومنظمة رغم الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب والحصار.
ترك اغتيالها فراغًا كبيرًا في مؤسسات المدينة، وأحدث صدمة لدى كل من عرفها، لتبقى سيرتها شاهدًا على أن خدمة الناس قد تتحول – في زمن الفوضى – إلى جريمة يدفع أصحابها حياتهم ثمنًا لها.