آخر تحديث :الأحد-13 أكتوبر 2024-10:30م

محليات


ابرز التداعيات الخطيرة لحالة اللاسلم واللاحرب في اليمن (تقرير)

ابرز التداعيات الخطيرة لحالة اللاسلم واللاحرب في اليمن (تقرير)

الأحد - 19 مايو 2024 - 08:49 م بتوقيت عدن

- مراقبون برس -القدس العربي-احمد الاغبري

منذ أكثر من عامين واليمن يعيش في حالة اللاسلم واللاحرب؛ وهي حالة تحمل في مقتضياتها ما يؤسس لتداعيات خطيرة؛ في مقدمتها إفراغ القوى السياسية من فاعليتها؛ وإحالة البلد إلى المكوث في حالة اللااستقرار؛ وهي حالة تتيح لتجار الحرب الاستثمار ومراكمة ثرواتهم على حساب استمرار معاناة الشعب؛ وتكريس واقع اللادولة؛ وهو ما يعني ذهاب سلطات الحرب إلى تفخيخ طريق استعادة الدولة وتأسيس فاعليتها المدنية، التي تتجسد في دولة المساواة، والمواطنة، والعدل، والتوزيع العادل للسلطة والثروة.

السؤال الذي يفرض نفسه واليمن ما زال في المنطقة الفاصلة بين الحرب والسلام: إلى متى ستستمر هذه الحال؟ وما هي مقتضياتها الراهنة ونتائجها وتداعياتها في حال استمرارها؟ وكيف يمكن أن يتجاوز البلد هذه الحالة إلى تحقيق السلام والاستقرار؟ بمعنى ما هي اشتراطات السلام الضامن للاستقرار الذي يطمح إليه اليمنيون شمالًا وجنوبًا، والتي يعاد من خلالها لُحمة البلد كوطن قابل للحياة وتعايش التنوع؟
هذه الأسئلة يمكن اعتبارها أسئلة اليمن الراهنة، وهي أسئلة تقتضي إجابات مسؤولة تستطلع ما آل إليه واقع البلد في اللاحرب واللاسلم المستمر منذ أكثر من عامين، ومناقشة مقتضيات استمرارها وتداعيات ونتائج بقاء الوضع كما هو عليه انطلاقاً من وعي باشتراطات السلام الحقيقية، التي يمكن من خلالها التأسيس لوطن يضمن التعايش بين اليمنيين من خلال دولة تحترم حقوقهم وتنصف التزاماتهم وواجباتهم.

التهديد الدائم

يرى نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، المفكر عبدالباري طاهر، أن حالة اللاحرب واللاسلم في اليمن لا تقل خطورةً وتهديدًا عن الحرب نفسها.
وقال لـ«القدس العربي»: «التهديد الدائم بعودة الحرب مروع وكارثي؛ فهو يعني توقف النشاط العام في الحياة، وبقاء الأوضاع المأساوية على حالها، وإعاقة البناء والتطور وإصلاح الأوضاع، وتطبيع الحياة الآمنة، واستمرار الحصار، وعدم الإفراج عن المعتقلين والمخفيين قسريًا، وتبادل الأسرى، ومعالجة أوضاع البلاد والعباد، وصرف المرتبات، وفك الحصار، والسعي للمصالحة الوطنية والمجتمعية».
وأضاف: «إن المستفيدين من هذه الأوضاع الكارثية هم سلطات الأمر الواقع في الشمال والجنوب والشرق والغرب، وهم قادة الحرب وميليشياتها».
وفي قراءته لما تعنيه المرحلة الراهنة قال:» تعني حالة اللاحرب واللاسلم استمرار تفكك البلاد، وتناحر مكوناتها، وغرس العداوات، ومصادرة الحريات العامة والديمقراطية وحرية الرأي، وتغول النهب والفساد والاستبداد، وقمع إرادة الشعب وإرغامه على الصمت».
المأزق- كما يعتقد طاهر- أن هذه الحالة البالغة السوء والجور كانت مرتهنة للصراع الإقليمي السعودي الإماراتي مع إيران، وللصراع أيضًا ارتباط بالرباعية الدولية والتحالف العربي، وكان للوساطة الصينية أثرها الطيب في تصالح السعودية وإيران؛ وهو ما أسهم إيجابيًا في الهدنة القائمة، وفتح حوار بين أنصار الله (الحوثيين) والعربية السعودية، ولكن الحرب الإجرامية ضد غزة، والدعم اليمني للمقاومة الفلسطينية، والموقف ضد السفن الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية قد عطل وأعاق الحوار والتوصل إلى حل لكارثة الحرب في اليمن.
ويرى عبدالباري أن «حالة اللاحرب واللاسلم أصبحت مرتهنة لما يجري من حرب إبادة في غزة. فالرباعية الدولية المتورطة في الحرب والمنحازة بالمطلق لإسرائيل تعمل على إضعاف المنطقة العربية، ومنعها من التضامن -مجرد التضامن- مع الشعب الفلسطيني، وطال ويطال اليمن الكثير من عدوان أمريكا وأوروبا».
وكما يؤكد طاهر «فإن غياب الحامل الوطني اليمني ممثلاً في قيادة الأحزاب الوطنية، ومؤسسات المجتمع المدني، والشخصيات العامة كعب أخيل، نقطة ضعف قاتلة في بقاء هذه الحالة».
وأضاف: «كما أن انتظار القوى الإقليمية لنتائج ما يجري في غزة له أثر كبير على تردي الحالة اليمنية، وبقاء الأوضاع على حالها. وللأسف الشديد، فإن اليمن قد ارتهن للصراع الإقليمي ثم الدولي، وهو الأخطر طبعًا».
ويخلص عبدالباري طاهر إلى اعتبار إرادة اليمنيين والعرب هي الفيصل في تجاوز هذا الواقع.
وقال: «بدون امتلاك اليمنيين والعرب لإرادتهم؛ فإن تسيد إسرائيل وأمريكا وبريطانيا لن يسمح للأمة ولا الشعوب العربية بنصرة قضيتهم الأولى فلسطين، أو حل قضاياهم الداخلية».
بالموازاة؛ استعرض رئيس تحرير منصة «خيوط» الكاتب محمد عبدالوهاب الشيباني، بعضا من محطات المفاوضات التي شهدتها الأزمة اليمنية الراهنة، وصولًا إلى إتفاق هدنة في الثاني من نيسان/أبريل 2022 والذي مُدد لمرتين في حزيران/يونيو وآب/أغسطس، وبقي دون توقيع في تشرين الأول/أكتوبر، ومع ذلك ظل صامدًا حتى اليوم، وصار اليمن بسببه في حالة اللاهدنة واللاحرب، حد تعبير الشيباني.
وقال لـ«القدس العربي»: «لهذا فالجمود هو العنوان الأبرز لهذه الحالة المائعة التي تخدم الطرفين، دون اليمنيين التواقين إلى سلام دائم في البلد المتهتك، وغدا رهانهم على النخبة منعدماً، منذ صارت جزءا من لعبة الحرب وترتيباتها».
ويعتقد الشيباني أنه مع استمرار بقاء البلد رهينة أدوات الحرب ورعاتها فإن هذه الحال ستبقى عنوانا للمرحلة.
وقال: «ما دامت البلاد برمتها رهينة أدوات الحرب في الداخل ورعاتها في الخارج ستبقى هذه الحالة بسيولتها عنوانا للمرحلة، فكل طرف بمسنوده الخارجي يريد الإبقاء على مكتسباته التي حققها على الأرض خلال سنوات الحرب، وأي بوادر للحل ( كتوقيع خارطة طريق) حسب التسريبات المتعددة وتحركات المبعوث الأخيرة ستكرس هذه الحالة، حتى وإن ذهب الجميع إلى سلام (بأي شكل كان وتحت أي ظرف) سيكون سلاماً هشاً، لأن أصابع أطراف الحرب القوية لم تزل على الزناد.. فما قيمة التسوية (السلام الملغوم) والضمانات إن لم يُنزع سلاح الميليشيات في الشمال والجنوب، وتشكيل سلطة وطنية قوية تعكس رغبة الداخل لا إملاءات الخارج.. ولديها القوة في معالجات الملفات الشائكة السياسية والأمنية والاقتصادية».
ويؤكد محمد الشيباني أنه «بدون ذلك تصير كل هذه العناوين مجرد حلم كبير لدى اليمنيات واليمنيين، لا يدرون متى سيتحقق».
في الأخير؛ تبقى الحالة الراهنة للأزمة اليمنية في وضع صعب وخطير للغاية، وربما يكون أكثر تعقيدًا وخطورة من وضع الحرب نفسها؛ لأن الحرب تفرض واقعًا يكون فيه أطراف الحرب أمام مسؤوليات النصر والهزيمة، وما يترتب عليهم سعيًا إلى دولة ضامنة لاشتراطات بقاءها، كما يعرف الضحايا مَن هم المسؤولون عن صناعة واقعهم؛ علاوة أن الحرب تبقى هي حرب بينما اللاحرب واللاسلم تستنزف مقتضيات الحرب والسلام، وتكرّس زعماء الحرب كقائمين على أمر واقع اللاحرب، وبالتالي تتضخم السلطات القمعية، ويسود الاستبداد بكل أشكاله؛ فسلطة اللاحرب لا تراعي قانون الدولة؛ لأنها ترى أنها هي الدولة، وصولًا إلى استمراء السلطات لهذا الواقع وتشبثها به؛ وبالتالي ستحرص على بقاءه كأمر واقع وحالة قائمة تحقق لها أهدافها في تكريس الحضور وتعزيز المكاسب؛ لكن كل ذلك سيكون على حساب استمرار النزيف في كرامة العيش الفردية والحقوق العامة، والمواطنة، والعدالة، والمساواة، وقبل ذلك غياب الدولة الضامنة لوحدة واستقرار الوطن وكرامة المواطن؛ بمعنى استمراء سلطات الحرب وضع اللادولة.