لم يكن الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، يوما شريكا مثاليا للسلام، فرغم مبادرات أممية ودولية عديدة لحلحلة الأزمة الليبية، إلا أنه كان في كل مرة ينسف هذه الجهود ويعيد الجميع إلى المربع الأول للحوار.
لكن حفتر بعد سلسلة هزائمه في المنطقة الغربية، أصبح يستجدي وقف إطلاق النار، ويدعو إلى الحلول السلمية، عبر “إعلان القاهرة”، الذي وضع فيه شروط المنتصر من موقع المهزوم، مما أفقد الإعلان أي منطق أو جدية.
وفي ما يلي أهم الاتفاقات والتفاهمات التي انقلب عليها جنرال الانقلابات منذ 2015 إلى اليوم.
اتفاق الصخيرات: 17 ديسمبر/كانون الأول 2015
اتفق خلاله وفد مجلس نواب طبرق (شرق) الداعم لحفتر، ووفد للمؤتمر الوطني العام (المجلس التأسيسي في طرابلس) على تشكيل مجلس رئاسي يقود حكومة وفاق وطني، ومجلس أعلى للدولة (نيابي استشاري)، مُشكّل من أعضاء المؤتمر الوطني العام، بالإضافة إلى تمديد ولاية مجلس النواب بعد انتهائها في نفس العام.
ورغم أنه هذا الاتفاق كان برعاية أممية وأقرّه مجلس النواب، وحظي بتأييد شعبي غير مسبوق من معظم الفرقاء الليبيين، إلا أن حفتر عارضه بشدة، لأنه يعطي للمجلس الرئاسي صلاحية عزله.
وحرك حفتر النواب الموالين له وعلى رأسهم عقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق، لتعطيل تنفيذ الاتفاق، عبر إثارة الفوضى داخل البرلمان لمنع المصادقة عليه وإقرار حكومة الوفاق.
ثم الضغط على أعضاء في المجلس الرئاسي للانسحاب منه بهدف تعطيله، حتى لم يبق منهم سوى 5 من 9 أعضاء، لكن حفتر وصالح، فشلا في سحب الاعتراف الدولي من حكومة الوفاق.
اجتماع ضاحية باريس: 25 يوليو/تموز 2017
استضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أحد أكبر الداعمين للجنرال الانقلابي بإحدى ضواحي باريبس، كلا من فائز السراج، رئيس الحكومة الليبية وحفتر، وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار، وتطبيق اتفاق الصخيرات، كما نصت المبادرة الفرنسية على إجراء انتخابات في ربيع 2018.
مؤتمر باريس: 29 مايو/ أيار 2018
بعد فشل إجراء انتخابات في ربيع 2018، كما نص عليه اجتماع باريس، عقد الرئيس الفرنسي مؤتمرا دوليا جديدا في قصر الإليزيه مع الأطراف الأربعة الرئيسية في الأزمة الليبية، وهم: السراج، وحفتر، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وعقيلة صالح.
وشارك في المؤتمر ممثلون من 20 دولة بينها: تركيا والجزائر وقطر وتونس بالإضافة إلى مصر والإمارات والسعودية والكويت.
وتم الاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 10 ديسمبر/كانون الأول 2018، ووضع الأسس الدستورية للانتخابات، واعتماد القوانين الانتخابية الضرورية بحلول 16 سبتمبر/ أيلول 2018.
لكن نواب موالون لحفتر ماطلوا وحاولوا تعطيل المسار السياسي والقانوني والدستوري، ووضع شروط تعجيزية لإفشال تنظيم الانتخابات.
مؤتمر باليرمو: 12 و13 نوفمبر/تشرين الثاني 2018
عقد في مدينة باليرمو بجزيرة صقلية الإيطالية، ردا من روما على مؤتمر باريس، وشارك فيه السراج وحفتر، برعاية رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، وحضر المؤتمر وفود من 38 دولة بينها: تركيا ومصر وروسيا والولايات المتحدة والجزائر، وتم الاتفاق خلاله على إجراء انتخابات في ربيع 2019.
اجتماع أبو ظبي: 27 فبراير/شباط 2019
وجمع السراج وحفتر، برعاية ولي عهد الإمارات العربية المتحدة، أكبر الداعمين للأخير، ولم يَرشح منه الكثير، كما لم يتم التوقيع فيه على أي اتفاق، إلا أن البعثة الأممية في ليبيا أعلنت أنه تم التوصل إلى اتفاق لإنهاء المرحلة الانتقالية في ليبيا من خلال انتخابات عامة، لكن دون تقديم تفاصيل أو مواعيد إجراء الانتخابات.
غير أن وسائل إعلام محلية ودولية تحدثت عن مناقشة الطرفان إمكانية إنشاء “مجلس أمن قومي” مصغر، تتوزع فيه الصلاحيات بين حفتر والسراج، دون أن يتم تأكيد أو نفي صحة هذه التسريبات.
لكن المؤكد أن اللقاء جرى في الوقت الذي كانت مليشيات حفتر ماضية في السيطرة على جميع المدن والبلدات الرئيسية في إقليم فزان جنوبي البلاد، دون مقاومة شديدة من القوات الموالية للحكومة.
مؤتمر غدامس: 14 أبريل/ نيسان 2019
كانت الأمم المتحدة تعول عليه في إنهاء الأزمة الليبية، في إطار خريطة طريق طرحها المبعوث الأممي السابق غسان سلامة، تهدف لتعديل الاتفاق السياسي وعقد مؤتمر بين الليبيين فقط قبل إجراء انتخابات.
وتم خلال هذه المرحلة تعديل الإعلان الدستوري على مستوى البرلمان، ومناقشة القوانين الانتخابية، رغم أن اجتماعات النواب لم تبلغ النصاب الدستوري حينها، كما شرعت لجنة الانتخابات في إعداد قوائم الناخبين.
وألقت الأمم المتحدة بثقلها في هذا المؤتمر بعدما أرسلت أمينها العام أنطونيو غوتيريش، إلى ليبيا في 4 أبريل 2019، لدعم فرص نجاح المؤتمر.
لكن حفتر استغل تلك الأجواء السياسية للهجوم بشكل مباغت على العاصمة، ونسف بذلك جهود أممية ودولية لوضع حد للأزمة، مما استحال بعده عقد مؤتمر غدامس.
اجتماع موسكو: 13 يناير/كانون الثاني 2020
نجحت مبادرة تركية روسية في إقناع طرفي النزاع بوقف إطلاق النار في 12 يناير، وبعد يوم من ذلك التاريخ، جرى عقد اجتماعات منفصلة بالعاصمة الروسية موسكو، ضمت كلا من حفتر وعقيلة صالح من جهة، والسراج والمشري من جهة ثانية، برعاية الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين.
وكان من المقرر التوقيع على اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، لكن حفتر فرّ هاربا إلى مدينة بنغازي، دون التوقيع على الاتفاق.
مؤتمر برلين: 19 يناير 2020
ونظمته ألمانيا بالتنسيق مع الأمم المتحدة وحضرته 11 دولة بينها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين) وتركيا وإيطاليا والجزائر ومصر والإمارات، بالإضافة إلى البلد المضيف، و4 منظمات دولية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الإفريقي، الجامعة العربية).
كما حضر حفتر والسراج، المؤتمر لكنهما لم يتقابلا، ولم يوقع الجنرال الانقلابي على البيان الختامي، الذين كان من أبرز بنوده التأكيد على وقف إطلاق النار، بل أكثر من ذلك قامت مليشياته بقصف العاصمة الليبية طرابلس بعد يوم واحد فقط من انعقاد المؤتمر.
محادثات لجنة 5+5 العسكرية: جنيف فبراير 2020
وانطلقت في 18 فبراير الماضي بمدينة جنيف السويسرية برعاية أممية، وشارك فيها 5 ضباط من الجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية، و5 عسكريين تابعين لحفتر، ضمن 3 مسارات (عسكري، سياسي، اقتصادي) اقترحتها الأمم المتحدة وتبناها مؤتمر برلين لحل الأزمة الليبية.
لكن الحكومة الشرعية علقت مشاركتها في المحدثات في 19 من ذات الشهر بعد قصف مليشيات حفتر لميناء طرابلس، لأول مرة منذ بداية عدوانها على العاصمة، خارقة بذلك الهدنة المعلنة بينهما.
وأمام تكرار رفضه للحلول السلمية وتنصله من أي تفاهمات، أعلنت الحكومة الشرعية عدة مرات رفضها المطلق التحاور مع حفتر، أو أن يكون له أي دور في مستقبل ليبيا.