آخر تحديث :الثلاثاء-22 أكتوبر 2024-11:08ص

كفاح غلام

الثلاثاء - 02 يوليه 2024 - الساعة 01:17 ص

ناجح إبراهيم
بقلم: ناجح إبراهيم
- ارشيف الكاتب


*من وقت خروجى من منزلى وحتى ذهابى لعيادتى أمر على قرابة عشرة شحاذين، كلهم يقوم بالتسول من سنوات وما جمعه من التسول يكفيه ليعيش غنياً لسنوات طويلة، ولكنهم اعتادوا جميعاً على التسول يومياً وتحويش النقود بعضها على بعض وحتى إذا أعطيتهم ملابس جديدة يتصرفون فيها ويلبسون زى التسول، وكل واحد منهم يتسول بطريقته إما عن طريق عرض المناديل الورقية أو غيرها.

* وأحياناً تجد شاباً فى قوته وفتوته يمد يديه للمارة أو يحاول مسح زجاج السيارات عند المطبات أو مفترق الطرق، وهم يختارون أماكن التسول بعناية فائقة، خاصة أمام المدارس شتاءً والمستشفيات والمصالح الحكومية المكتظة بالجمهور.

* لا أتعاطف معهم ولا أحبهم، ولا أحب أن أعطيهم لأن التسول مهمتهم وهوايتهم وهم ليسوا بحاجة للأموال، فهناك واحدة منهم بالقرب من عيادتى كانت تجمع قرابة 500 جنيه من منطقة شعبية فقيرة، فضلاً عن عشرات المتسولين الذين ماتوا عن ملايين الجنيهات.

* فى يوم من الأيام وأنا أمر على كوبرى الناموس العلوى للمشاة بالإسكندرية وجدت غلاماً فى سن الإعدادية، جميل الخلق والأخلاق، يقف بأدب، عارضاً بضاعته البسيطة للمارة دون كلمة واحدة ينطقها، والغالب أن والدته قد جهزت هذه الحلويات فى المنزل وهى عبارة عن كعك وحجازية وقلاش وبقلاوة، وأحياناً يزيد عليها أكياس لب وفول سودانى وترمس.

* بُهرت بأدبه وسعيه للكسب الحلال، ملابسه نظيفة، أعتقد أنه يعود لعائلة كريمة جار عليها الزمان، وقد يكون العائل لأسرته، فيبيع ما تجهزه والدته فى البيت.

* وقفت أمام هذا الغلام بتقدير وإعجاب، وأصبحت أحد زبائنه المستديمين رغم عدم حاجتى لهذه الأنواع من الحلوى لأننى مريض بالسكر ولكننى أشتريها وأوزعها، مع إعطائه فى كل مرة هدية بسيطة فيرفض بإباء وإصرار ولكنه يقبل أمام إصرارى بلطف وأمام كلمات ثنائى على كفاحه وعطائه.

* أحب قصص الكفاح والبذل، وأحب أهل العمل والعطاء، وأكره المتقاعسين والمتخاذلين أو العالة على الآخرين وما أكثرهم فى مجتمعنا.

* وقد خلصت من تجارب حياتى الصعبة أن معظم الذين يشتكون من قلة فرص العمل لا يريدون العمل أصلاً، فكلما وجدت لهم عملاً رفضوه أو لم يداوموا عليه، هم يريدون عملاً على مقاسهم.

* هاتفنى شاب مكافح من الصعيد، قال لى بفخر واعتزاز: إنه خرج من قريته فى أقاصى الصعيد بمبلغ 700 جنيه فقط، والآن يملك عدة ملايين من عمله الشريف فى أقصى شمال البلاد فى المسموح به من المقاولات فى الساحل الشمالى.

* ولى صديق صالح طيب بدأ فقيراً فى وكالة الخضار بالإسكندرية وأصبح الآن من الأثرياء لأنه متفرغ فى الحياة لأمرين؛ العبادة والعمل، ويبدأ عمله دوماً مثل تجار الوكالة جميعاً قبل الفجر وحتى العاشرة صباحاً ثم نوبة أخرى للعمل بعد العصر وحتى أول الليل، وهكذا.

* أعرف أرملة فقيرة تنكرت لها أسرة زوجها المتوفى وأكلت ميراثها وأولادها وهددتهم بالطرد من الشقة إن طالبوا بشىء، فلم تلطم أو تيأس أو تدور حول قضية ميراث زوجها المتوفى، التى لا أمل فيها، بل استغلت كفاءتها فى الطبخ وصنع الحلويات، فتقوم بالطبخ وصنع الحلويات للأسر، خاصة أيام الأفراح والعزومات الكبرى، واستطاعت أن تعلم أولادها تعليماً جيداً وتنفق على علاجها من أمراضها المزمنة.

* أقول لكل شاب يشكو من صعوبة العمل ومشاكله: أنا لا أخاف على الذى يعمل، فالراحة للرجال غفلة، والمعسكر البطال يكثر فيه الشغب والفساد، وأخاف على الذى لا يعمل فهو عرضة لكل الآفات.

* مفتاح النجاح لهؤلاء هو الجدية والعفة والكفاح المتواصل.

* تحية لأهل الكفاح الشريف، وتباً للتسول والمتسولين الذين ملأوا مصر كلها.

نقلاً عن الوطن